ماذا تعرف عن مخاطر الذكاء الاصطناعي
تحذير أميركي من تسارع الذكاء الاصطناعي الصيني
قال موقع “ناشونال إنترست” الأميركي، إن هناك إجماعا متزايدا بين وكالات الأمن القومي الأميركي بأن الصين تمثل تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ونقل الموقع عن مسؤولين في المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن بأن سعي الصين لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن أن يترك تداعيات كبيرة في المستقبل على التنافس العسكري والاقتصادي مع واشنطن.
وأعاد المسؤولون في الاستخبارات تحذير الشركات التي تعمل في المجالات الرئيسية وتسمح للصين بالاستثمار فيها أو تعتمد على خبراتها، بأن تتخذ إجراءات احتياطات مهمة في حماية الملكية الفكرية الخاصة بمنتجاتها.
وفي ظل إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن، انحدرت العلاقات الأميركية مع الصين إلى مستويات غير مسبوقة، مع تزايد الإجماع وسط وكالات الأمن القومي الأميركي على أن بكين تمثل تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة.
ومع أن بايدن تحدث عن أنه لا يريد “حربا باردة” مع الصين، وتفضيله عوضا عن ذلك العمل معها بشأن الاهتمامات المشتركة مثل تغير المناخ، إلا أن العلاقات ظلت متوترة، خاصة على خلفية فيروس كورونا، وتوجه واشنطن أصابع اللوم إلى بكين على خلفية الفشل في مواجهة الوباء.
لماذا يقلق الذكاء الاصطناعي الصيني أميركا؟
بات الذكاء الاصطناعي يؤدي دورا بارزا في الصين، بعدما وضعته إلى جانب التقنيات الفائقة الأخرى مثل الروبوتات ضمن استراتيجية التنمية “صنع في الصين بحلول 2025”.
ويقول موقع “ناشونال إنترست” إنه لا جدال في أن الكثير من المعرفة اللازمة للذكاء الاصطناعي في الصين جرى الحصول عليها بشكل غير مشروع أو غير قانوني من الولايات المتحدة.
وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد قدرت خسائر الولايات المتحدة من جراء انتهاكات الصين للملكية الفكرية بأكثر من 600 مليار دولار كل عام.
وقال القائم بأعمال المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، مايكل أورلاندو، إن الولايات المتحدة “لا يمكنها تحمل خسارة “السباق لتطوير تكنولوجيا جديدة مع الصين في المجالات الرئيسية، بما في ذلك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي”.
لكن المسؤول الأميركي لم يصل إلى حد نصح الشركات في بلاده بحظر الاستثمار الصيني.
وكان أحد المجالات ذات الأهمية الخاصة للمركز التكنولوجيا الحيوية والمستحضرات الصيدلانية، حيث قامت الصين بعمليات استحواذ كبيرة في العامين الماضيين.
وحذرت الوكالة من أن الشركات المرتبطة بالصين في الولايات المتحدة تستفيد من البيانات الطبية الأميركية، وتعمل على إعادتها إلى بكين.
وقال أورلاندو إن هذه التطورات يجب أن تُفهم على أنها جزء من رغبة بكين في توسيع معرفتها التقنية، فالأمر لا يتعلق فقط الشركات الصينية التابعة للدولة.
يمكن للذكاء العام الاصطناعي والذي يُطلق عليه غالباً اسم الذكاء الاصطناعي العميق، محاكاة التفكير البشري والذكاء للتعرف على مشكلة وسياقاتها وحلها، وقدرة أكبر وأوسع لتقليد الفهم والذكاء البشري وتبقى مماثلة للذكاء البشري في سياق معين.
ومن جهة أخرى، فإن الذكاء الاصطناعي الخارق فكرة مستقبلية تتضمن قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تحل محل الذكاء البشري، ولحدوث ذلك يجب أن تتجاوز برامج الحوسبة الذكاء البشري في جميع المعايير والسياقات، وأن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من البشر، ولكن ماذا عن الدارسات والبحوث والتجارب ومختبرات تلك التقنيات المستقبلية الطموحة والتي تصنّف كأكبر أسرار البشرية غموضاً، وإن كانت فرضية الآلة فائقة الذكاء التي تتحكم في العالم تعد خيال علمي؟
هناك بالفعل آلات تؤدي مهام معينة بشكل مستقل دون أن يفهم المبرمجون تماماً كيف تعلموها، وهنا تبرز مسألة ما إذا كان يمكن احتواء الذكاء الخارق إلى جانب التطور السريع لما يسمى بتقنيات «NBIC»، كتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والعلوم المعرفية، وتحدي حدود المرض والشيخوخة وسن الإنسان، والتي تصبّ في مفهوم ما بعد الإنسانية.
وهل هذا الأمر يفسر ما يجري من كوارث في العالم اليوم، وذلك في عصر القوة التكنولوجية الراديكالية؟ والذي قد تمثل الجماهير فيه تهديداً أمنياً كبيراً للنخبة، والنجاح في إنشاء ذكاء اصطناعي فعّال يمكن أن يكون أكبر حدث في تاريخ حضارتنا الإنسانية ولربما الأسوأ.
يُظهر المشهد الافتتاحي لفيلم وثائقي قصير عبر الإنترنت أعدته شبكة تلفزيون الصين الدولية التي تديرها الدولة، أشخاصاً يسيرون في الشوارع بشكل عشوائي في “شينزن”، و يتمُّ تصويرهم بالفيديو، وتحديد هويتهم، ثم يتمُّ فضحهم علانية.
من المفترض أنَّ الوثائقي يسلِّط الضوء على براعة البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي، لكنَّه يكشف عن حقيقة أقل معرفة أو شهرة، وهي أنَّ الذكاء الاصطناعي بالصين ليس أداة للهيمنة على العالم، بقدر ما هو وسيلة منتشرة بشكل ضيق لفرض السيطرة محلياً.
نظرياً، تظهر الولايات المتحدة والصين منافسة متقاربة في الذكاء الاصطناعي.
تتصدَّر الصين نسبة المراجع، لأنَّها تنشر المزيد من الإصدارات، في حين تتقدَّم الولايات المتحدة كثيراً في المقياس النوعي للأبحاث التي تتناولها المؤتمرات، وفقاً لتقرير حديث أعدته جامعة ستانفورد.
في حين أنَّ الدولة الأكثر من ناحية عدد السكان بالعالم؛ تعدُّ قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن يجب ألا يضع المستثمرون والمراقبون، الكثير من الرهانات على فكرة أنَّ مركزها أو وضعها لا يمكن تعويضه، أو لا غبار عليه، أو أنَّ الولايات المتحدة أضعف.
من خلال سوء تقدير قدرات الآخرين، تخاطر القوتان بالمبالغة في تقدير نقاط قوة خصمهم، والتعويض المفرط بطريقة يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلُّح في مجال الذكاء الاصطناعي على غرار الحرب الباردة.
قال نيكولاس تشايلان، الذي استقال مؤخراً من منصب رئيس قسم البرمجيات في سلاح الجو الأمريكي بعد أقل من ثلاث سنوات في المنصب، إنَّ بكين تتجه نحو الهيمنة على العالم بفضل تقدُّمها في مجال الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والقدرات الإلكترونية، بحسب ما أفادت صحيفة “فاينانشال تايمز”.
تكنولوجيا المراقبة
في الواقع؛ فإنَّ خبرة الصين محدودة إلى حدٍّ ما من ناحية النطاق. يشمل الذكاء الاصطناعي العديد من المجالات الفرعية، بما في ذلك التعلم الآلي، والروبوتات، ومعالجة اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبية. تمتلك الولايات المتحدة مجموعة أدوات واسعة عبر كل هذه التخصصات، ويتمُّ استخدامها في جميع أنحاء العالم.
على النقيض من ذلك؛ تتفوق الصين غالباً في مجال الرؤية الحاسوبية، وهو مجال يساعد بكين على تعزيز المراقبة الخاصة بها، أو مراقبة الدولة.
في التقييمات الفنية التي أجراها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا بالولايات المتحدة؛ فإنَّ الخوارزميات الصينية تصنَّف باستمرار بالقرب من القمة عبر سلسلة من الاختبارات التي ترتبط بمجالات المراقبة، ومنها: صور المجرمين، ومنح التأشيرات، ومراقبة الحدود.
تمثِّل شركة “سينس تايم غروب” ( SenseTime Group Ltd)، ومقرّها بكين، علامة متميزة. و احتلت شركة “كلاود ووك تكنولوجي كو” (CloudWalk Technology Co)، التي أسستها الأكاديمية الصينية للعلوم في عام 2010، بالإضافة إلى فريق من جامعة بيهانغ أيضاً مرتبة عالية في الاختبارات الأخيرة التي شارك فيها أكثر من 600 متسابق من جميع أنحاء العالم.
كان أكثر من نصف الأوراق البحثية التي نشرتها الفرق الصينية العام الماضي في التخصصات الأكثر استخداماً في أعمال المراقبة، و الرؤية الحاسوبية، والتعرف على الأنماط، وفقاً لبيانات حول الأوراق البحثية التي جمعتها ” مايكروسوفت أكاديميك غراف” (Microsoft Academic Graph )، وقامت بتحليلها وسيلة الإعلام الصينية “Sixth Tone”.
مقارنات كاشفة
بالمقارنة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والهند؛ فإنَّ نسبة أقل من أوراقها البحثية تتناول التعلُّم الآلي، ومعالجة اللغة الطبيعية، والروبوتات.
في غضون ذلك، ترتبط إيرادات شركات الرؤية الحاسوبية المتعلِّقة بالذكاء الاصطناعي في الصين إلى حدٍّ كبير بالحكومات ورغبتها في مراقبة الأشخاص.
حصلت “سينس تايم”، التي تخطط لإتمام طرح عام أولي في بورصة هونغ كونغ، على ما يقرب من نصف إيراداتها في الأشهر الستة الأولى من العام من أعمالها الخاصة بـ “المدينة الذكية”.
تعتمد شركة “ميجفي تكنولوجي”(Megvii Technology Ltd)، التي ألغت خطة الإدراج في هونغ كونغ، من أجل إتمام طرح أسهمها في شنغهاي، بشكل أكبر على العقود الحكومية المحلية، إذ يأتي 64% من إيراداتها من مجموعة منتجات مماثلة تسميها “مدينة حلول إنترنت الأشياء” (City IoT Solutions).
تعتمد هذه المشاريع إلى حدٍّ كبير على إعداد الكاميرات، وأجهزة الاستشعار في جميع أنحاء المدينة لتتبُّع الأشخاص والمركبات، ثم استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي لمراقبة تحرُّكاتهم.
تتمتَّع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بالعديد من التطبيقات.
و تتصدَّر الولايات المتحدة دول العالم في التعلُّم الآلي، أحد فروع الذكاء الاصطناعي الذي يستفيد من البيانات والخوارزميات للتعلُّم وتحسين الدقة.
تمَّ تطوير معظم أطر العمل العالمية الرائدة والمعتمدة على نطاق واسع في الولايات المتحدة بواسطة شركات مثل “غوغل” التابعة لـ ” ألفابيت”، و”مايكروسوفت”، و”فيسبوك”، بالإضافة إلى جامعة كاليفورنيا في بركلي.
تنتج شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة، مثل: “مايكروسوفت”، و”غوغل”، و “أمازون”، و” آي بي إم”، أفضل محرِّكات معالجة اللغة الطبيعية، المستخدمة لفهم النصوص المكتوبة ومعالجتها وتحليلها.
الأغراض التجارية
تُستخدم هذه الأدوات عالمياً للتعرُّف على الصوت في مكبِّرات الصوت الذكية، لتشغيل روبوتات المحادثة في خدمة العملاء، وتحسين نتائج الترجمة والبحث، أو اكتشاف الاحتيال في الصناعة المالية.
تعدُّ الشركات الأمريكية رائدة في نشر تطبيقات الأعمال أيضاً، فقد أدت الزيادة الأخيرة من عملية اللجوء للعمل من المنزل إلى زيادة الطلب على تقنيات الحوسبة السحابية والشبكات، كما أنَّها رائدة عالمياً في أتمتة العمليات، والتي تحلُّ مكان الموظفين في مراكز الاتصال وخدمة العملاء.
في حين أنَّ هذه التقنيات يمكن، وما يزال يتمُّ استخدامها في أعمال المراقبة لدى الدول الغربية؛ فإنَّ قوتها الحقيقية تكمن في جدواها التجارية. تؤكِّد أمريكا هيمنتها من خلال صناعة أو تقديم منتجات تساعد العملاء في جميع أنحاء العالم على أن يصبحوا أكثر ربحية أو أكثر فاعلية.
على النقيض من ذلك، تواصل “سينس تايم”، و “ميجفي” تكبُّد الخسائر. قد يكون تفشي كوفيد-19- الذي أربك سلاسل التوريد، ونماذج الأعمال رأساً على عقب- بمثابة الدفعة التي تحتاجها الصين لتصبح القوة العظمى التي تأملها في مجال الذكاء الاصطناعي.
يمكن للشركات الناشئة، مثل: “أوبو روبوتكس تكنولوجي” (Aubo Robotics Technology Co)، العاملة في مجال صناعة الأسلحة، و “يو بي تيك روبوتكس”
(UBTech Robotics Inc)، مطوِّرة الروبوتات البشرية، أن تصبح مهمة للأهداف الوطنية بالنسبة إلى بكين كشركتي “سينس تايم”، و “ميجفي” الرائدتين في تكنولوجيا التعرُّف على ملامح الوجه.
أدى النقص في عدد عمال المصانع والخدمات إلى إحداث تغيير هائل في كيفية رؤية الصين للذكاء الاصطناعي، كما يشير لي كاي فو، رئيس شركة ” سينوفيشن فينتشرز” ( Sinovation Ventures)، والمؤلِّف المشارك لكتاب “الذكاء الاصطناعي 2041: عشر رؤى لمستقبلنا”.
قال “فو” لـ “بيزنس ويك” التابعة لـ ” بلومبرغ ” الشهر الماضي: “لقد دفع الوباء في الصين حقاً إلى تبني الأتمتة، والروبوتات بشكل أكبر.. ربما تكون ثورة الروبوتات هي الخطوة الكبيرة إلى الأمام التي من شأنها أن تساعد في دفع تقنيات الصين إلى الأمام”.
ومن أجل أن تحتل موقعاً رائداً بلا منازع في مجال الذكاء الاصطناعي؛ يتعيَّن على الصين بذل جهد أقل للبحث عن وسائل لتتبُّع الأشخاص، وإنتاج تقنيات حديثة بدلاً من وسائل مراقبة الناس.
وأشار تقرير مفوضية حقوق الإنسان إلى أنّ “بيئة البيانات والخوارزميات والنماذج الكامنة وراء تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وتشغيلها المعقّدة، فضلا عن السرية المتعمّدة للجهات الحكومية والخاصة، من العوامل التي تقوض الطرق الهادفة التي تسمح للرأي العام بأن يدرك آثار أنظمة الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان والمجتمع”.
وشدّدت باشيليت على أنه لا يمكننا الاستمرار في مُجاراة الذكاء الاصطناعي وفي مواكبة وتيرته الفائقة السريعة، “وأن نسمح باستخدامه ضمن حدود معيّنة أو رقابة محدودة أو بدون أي حدود أو رقابة، ومن ثمّ أن نتعامل مع العواقب الحتمية لذلك على حقوق الإنسان بعد وقوعها”.
“ولا يمكننا أن ننكر قدرة الذكاء الاصطناعي على خدمة الناس. ولكن لا يمكننا أن ننكر أيضا قدرة الذكاء الاصطناعي على تغذية انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق هائل بدون أي سيطرة على ذلك. لا بدّ لنا من أن نتّخذ الإجراءات اللازمة فورا من أجل حماية حقوق الإنسان في سياق استخدام الذكاء الاصطناعي، خدمة لصالحنا جميعنا”.